جولة ميدانية لآثار قرطاج والغوص في معالمها عبر كتاب “قرطاج سيدة البحر الأبيض المتوسّط عاصمة افريقيا”
نوافذ
5 مارس، 2018
الفنون السبعة
1,437 زيارة
تعدّ مدينة قرطاج التونسية من أهم المدن السياحية وأعظمها تاريخيّا لكونها واحدة من المدن التاريخية التي ضمتها اليونسكو إلى قائمة التراث العالمي. تعود نشأت قرطاج إلى عام 814 قبل الميلاد على يد الأميرة الفينيقية عليسة قرطاج حيث قدمت إلى المنطقة هاربة مع أصحابها، واتخذت المدينة اسمها من اسم الأميرة وفق ما أفاده به السيد سمير عون الله مدير البحوث الأثرية والتاريخية بالمعهد الوطني للتراث بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث خلال زيارة لفائدة الصحفيين التّونسيين إلى موقع قرطاج الأثري من تنظيم وكالة إحياء التّراث والتّنمية الثّقافية.
وأضاف أنّ مدينة قرطاج تعتبر مركزاً ثقافياً في تونس، ومن أبرز المعالم الثقافية فيها حسب التسلسل خلال هذه الزيارة هي:
المتحف الأثري: أنشئ سنة 1875م، ويتموضع فوق هضبة بيرصة، يستعرض فيه عدداً من التحف الأثرية التي تروي قصّة الحضارات التي قامت في تلك المنطقة. ويعدّ من أهم المتاحف الأثرية التونسية رفقة متحف باردو. يحتوي هذا المتحف على العديد من القطع الأثريّة والتّحف الفنّيّة التي تعود إلى فترات تاريخيّة مرّت بها تونس والمنطقة. كما يستعرض مجموعة نادرة من المخلّفات الأثريّة التي تعود إلى الحضارة البونية التي سادت المنطقة، وتضمّ هذه المخلّفات القناديل الزّيتيّة ومجموعة من الخزف الذي اكتشف في المعابد، إضافة إلى القبور المرمريّة التي تعود إلى القرن الثّالث قبل الميلاد، ويعرض المتحف أيضًا بعض التّحف الأثريّة التي تعود إلى العهد الرّومانيّ مثل لوحات الفسيفساء الرّومانيّة المذهلة والتّماثيل المختلفة، وبعض القطع الأثريّة. أصبح هذا المتحف أحد أكثر المعالم أهميّة في تونس نظرًا لتصويره الفترات المُختلفة التي مرّت بها المنطقة.
المســــــرح الأثري بقرطاج: هو بناية ذات أبعاد مهيبة تتجاوز طاقة استيعابها 10.000 متفرّج. بني في أواسط القرن الثاني، ومن خصائصه استناده إلى ربوة دون الاعتماد عليها، ذلك أنّ مدارجها تقوم على منظومة معقّدة من الأقبية تجعله في مأمن من الرّجات الأرضيّة. وزيادة على التمثيليّات المسرحيّة، كان هذا الفضاء يستقبل عدّة تظاهرات أدبية. قد تسنى لأبوليوس الشهير أن يلقي فيه الكثير من خطبه وآثاره. وخلال القرن الخامس هدمه الونداليّون ولم يخرج إلى النور إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر حيث رمّم جزئيّا وأعيد استعماله لتقديم روايات مسرحيّة وحفلات موسيقيّة. ومنذ الستينات، وبعد إعادة بنائه كليا، أخذ هذا المسرح يستقبل في كلّ صائفة تظاهرة ثقافيّة كبرى هي مهرجان قرطاج الدولي، حيث تقدّم عروض لكبار نجوم الأغنية ولأشهر الفرق المسرحيّة والفلكلوريّة، الوطنيّة منها والدّولية.
حمّامـــات أنطونيوس: تعتبر الحمّامات من أوسع ما بني منها في أفريقيا الرومانية. وقد استخدمت في عهد الإمبراطور أنطونينوس سنة 165م، بعد مرور 15 سنة على بدء الأشغال في عهد هادريانوس. وكان المعلم يتكوّن من ثلاثة طوابق، وتعلوه عدة قباب. أمّا اليوم، فلم تبق إلاّ بعض أجزاء من هذه البناية الضخمة، وبالخصوص بقايا الطابق السفليّ المخصّص للأعوان والخدمات، ولكنّها تسمح على كلّ بتكوين فكرة عن عظمتها وبهائها وتعدّ من ضمن المواقع الأثرية بقرطاج المصنفة على قائمة التراث العالمي من اليونسكو وتعتبر من أهم المعالم السياحية في تونس.
الطوفات قرطاج بصلامبو: مكان مقدس قديم يقع في حي صلامبو من قرطاج، كان القرطاجيّون يقيمون فيه الطقوس الدينية للآلهة تانيت وبعل، وهو يحوي العديد من مقابر الأولاد الذين قدموا كقرابين أو دفنوا، حسب التفاسير، في ذلك المكان.
الحي السكني ديدون: وهو عبارة عن مجموعة من المنازل البونية العتيقة التي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن التاسع للميلاد ويصل عمقها إلى 8.5 متر تحت الأرض. وقد ظلّت تلك المنازل طيلة هذه الفترة مردومة تحت التراب وقد بني فقها الرومان حي سكني روماني يقطنه قادة رومان.
الصهاريج المائية المعلٌّقة: إن الرومان بعد أن خربوا قرطاج، عانوا طيلة خمسة أعوام من جفاف مدمر (123 ـ 128) ميلادي واستنفذوا كل المياه التي كانوا يجمعونها في الخزانات الحجرية الفردية.وفي تلك الفترة زار الإمبراطور الروماني الشهير أدريان قرطاج تحت وابل من المطر المفاجئ فأمر ببناء حنايا لجلب الماء من جبل زغوان ومنطقة الجقار غرب الجبل. وهكذا انطلقت أشغال إمبراطورية عملاقة لإنجاز هذا المعلم الفريد كجزء نهائي لقنوات تمتد من جهتين متعرجا بين السهول والأودية،الأولى بداية من مختلف الجبال المحيطة بمعبد المياه بزغوان ليتجه شمالا ….ليبلغ في الجملة طول قنوات الماء وفروعها اكثر من 130 كلم بين قنوات مفتوحة و اخرى تحت الأرض لينتهى إلى الخزانات الرومانية في جهة «المعلقة» بضاحية قرطاج. أمّا الخزانات اختلفت الروايات و المصادر عن اصل هذا المعلم فى غياب دراسة علمية دقيقة .. لتذكير فهو ليس الوحيد بقرطاج لكنه يعتبرالاكبر و الاضخم فى افريقيا الرومانية (127 م ـ102م) عرف أحداثا كثيرة في تاريخه، فقد دمرته الحروب الكثيرة المتتالية على البلاد، منها الصرعات الداخلية او بالغزو وانقطع عنه الماء مرارا، لكن لا يعرف فى الفترة الاسلامية مدى استغلاله، فيقال انه تولى الحفصيون فى القرن الثالث عشر ترميم الحنايا و الخزانات وتوزيع مائه على المدينة و اريافها (منطقة اريانة ) ثم طاله الإهمال مرارا لتجف قنواته طيلة عدة قرون خاصة بعد الغزو الاسبانى فى القرن السادس عشر.
وجدت صهاريج المعلقة اسفل تلة قرطاج من ناحية الشمال في الحزام الريفي في آخر المنطقة العمرانية (حسب قرطاج القديمة ) وهي أعظم ما يوجد بالمدينة بل في كل الإمبراطورية .. وتتكون من 15 صهريجا ترتبط من جهة واحدة بقناة تزود.. طول الواحد 102 متر وعرضه 7 أمتار وبتعمق الى الطرف الشمالي فيبلغ ارتفاعه فى بدايته قرابة ال3 امتار ليصل اخره الى 7,50 متر، مغطاة بطبقة خرسانية رقيقة مقوسة بها فتحات دائرية صغيرة، تحتل كلها مساحة أكثر من هكتار وتبلغ كمية خزنها أكثر من 50.000 متر مكعب، تزود المدينة و حماماتها بالماء بصفة دائمة بقنوات تحت الارض بكل سهولة.
استعملت الصهاريج في القرون الأخيرة من طرف بعض البدو كمساكن و اسطبلات بعد ان تم اهمالها نهائيا و هي من الصدف التى ابقت المعلم محفوظ نسبيا . ومع بداية القرن العشرين وضع الفرنسي الاب لافيجرى و معاونيه خطة لاعادة الحفريات و الترميم و شرع فى اولى الاعمال .لكن اثر الاستقلال وفى السنوات الموالية فقط شهدت الخزانات عملية كبيرة من ترميم والكشف والصيانة لتأهيلها كمكان يمكن زيارته من طرف العموم ..ادرج المعلم ضمن التراث العالمى لليونسكو كجزء لمدينة قرطاج التاريخية سنة 1979.
المسرح الدائري بقرطاج: يمكن تسميته بمدرج قرطاج الروماني هو مسرح دائري روماني يوجد في مدخل مدينة قرطاج وهو معلم شاسع يقارب مسرح الجم. أسّس المسرح الدائري في عهد يوليوس قيصر وتقام فيه المصارعات التي ينظّمها الحاكم لإبراز الرعية مصير كل خارج عن سياسة حكمه. وقد بني منذ تأسيس المدينة يبلغ طولها 120 مترا وعرضها 93 متر، وحلبة يبلغ طولها 64 مترا وعرضها 36 متر. ووقع توسيعه في القرنين الثاني والثالث إلى أن بلغ طوله 156م وعرضه 128م وبلغ حجم استيعابه أكثر من 41 ألف نسمة. جعلت الحلبة لصراع رجلين أو رجل وحيوان مفترس أو صراع حيوانين مفترسين حسب العرض. وقد وقع الكشف إلى حد الآن على خلية بيضاوية الشكل فقط.
وأكّد عون الله أنّ هذه الزيارة جاءت على اثر صدور كتاب “قرطاج سيدة المتوسّط وعاصمة إفريقيا” حيث غاص في أدقّ تفاصيل حضارة قرطاج منذ نشأتها منذ سنة 814م الى اندثارها سنة 1270م أي ما يقارب 21 قرنا. ويعدّ هذا الكتاب فريدا لتميّز معلوماته وضخامة حجمه حيث ورد باللغة الفرنسية في 416 صفحة ويتضمّن 22 محورا. وتؤكد الشواهد الأثرية التي تمّ اكتشافها بهذه المنطقة (المسرح الاثري، المتحف، المعلقة…) الازدهار المتميّز الذي عرفته هذه المدينة في العهد الروماني.
ودعا عون الله بعد تقديم المعطيات الجغرافية والتاريخية لهذا الموقع ومحيطه إلى اكتشاف أبرز معالمه التاريخية، إلى جانب الصبغة العلمية لهذا الكتيّب فإنّه ينطوي على إفادة كبيرة للزوّار نظرا لما يحتويه من معلومات قيّمة حول تاريخ ومكوّنات هذا الموقع تزيّنه صور عديدة تلخّص جمالية المعالم وعمق تاريخها الأثري.
كما قال أنّ هذه الزيارة أيضا تتنزّل في إطار الخطّة الإتّصالية لإحياء المعالم والمواقع والمتاحف وتثمينها وتقريب المعلومة التّراثية للمواطن عبر الوسائط الإتّصالية لتشجيع السّياحة الثقافية وتنمية الوعي بضرورة المحافظة على ثروتنا التّراثية.
ومن جهة أخرى، أشار كمال البشيني المدير العام للوكالة التونسية لإحياء التراث والتنمية الثّقافية إلى أنّ تونس دائمة السعي لترميم المعالم الأثرية وتطويرها على غرار الموقع الاثري بقرطاج بهدف التشجيع على زيارة تلك المواقع حيث تراجع عدد زوّارها من 2.5 مليون زائر سنة 2010 إلى 670 زائر و وهذا الرقم يعادل عدد الزوار المتوافدين على المتحف الوطني في باردو.
هاجر عزّوني