الرئيسية / الفنون السبعة / تتويج المسرحية “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا” كأفضل عرض مسرحي متكامل بمهرجان المسرح العُماني الثامن

تتويج المسرحية “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا” كأفضل عرض مسرحي متكامل بمهرجان المسرح العُماني الثامن

أسدل الستار على فعاليات مهرجان المسرح العُماني الثامن الذي نظّمته وزارة الثقافة والرياضة والشباب على مسرح مدينة العرفان في مركز عُمّان للمؤتمرات والمعارض بسلطنة عمان برعاية معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والتي استمرت على مدى عشرة أيام.

وفي هذا الإطار، تقيّدت العروض الثمانية المتنافسة على خشبة المسرح بزمن العرض المسرحي الذي لا يتجاوز خمسة وسبعين دقيقة، إضافة إلى جائزة الكيروجراف “التعبير الجسدي والإيقاعي”، وتقسيم جائزة السينوغرافيا إلى الديكور المسرحي والموسيقى المصاحبة والإضاءة والأزياء والاكسسوار.

وتوّجت هذه الدّورة العرض المسرحي “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا”، الذي قامت بتقديمه يوم السبت 28 سبتمبر 2024 فرقة “نخل للمسرح”، بمنحه جائزة بقيمة 1000 ريال عمّاني كأفضل عرض مسرحي متكامل وأفضل ممثلة للفنانة ندى محمد وأفضل ممثل لسالم اليعربي.

العمل المسرحي “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا” هو تجربة اختبار حقيقي للمسار المسرحي، من أجل أن تفتح الأبواب و تظهر اشراقات أخرى و أضواء. يتكوّن فريق العمل إلى جانب مؤلفه ومخرجه أسامة السليمي من الممثلين أنس السليمي بدور الزوج، وندى محمد بدور الزوجة، وسالم اليعربي بدور الضمير، وزياد الحضرمي بدور الأخ، وسهيل الريامي بدور الطبيب، إلى جانب مشاركة كل من أبرار اللواتية، والخطاب العامري، وأماني المقبالية، ومحمد البريكي.

بينما يتكوّن الفريق الموسيقي من عازف الجيتار والمغني خطاب الشماخي، وعازف الكاخون مديم الغاربي، والمغنية بلقيس اليحمدية، وعازفي الكمان مرام البدرية وعلي الريامي، وعازف الأورج محمد البلوشي، أما السينوغرافيا والاشراف الفنّي العام فقد كان بمعية الدكتور سامي النصري.

وتعالج هذه المسرحية بقالب درامي قضية الإنسان المعاصر وصراعه مع ذاته في عالم مليء بالخيانة والأوهام والغدر، تدور أحداث المسرحية حول شخصية الزوج، رجل غني في الثلاثينيات من عمره، يعيش حالة من الهلوسات النفسية نتيجة خيانة زوجته وتراكم الضغوط النفسية عليه.

الزوجة، التي تظهر كرمز للخيانة واليأس، تجسد الحلم والكابوس في آن واحد، بينما تحاول الشخصيات الأخرى مثل الطبيب ورجال الخيال والحقيقة مساعدة الزوج، لكنها تعيش تناقضات داخلية تجعل من تلك المساعدة مرآة لصراعاتهم الذاتية، إضافة إلى تجسيد شخصية الضمير أو الذات ليدخل الزوج في حوار عميق وصراع مع ذاته.

تبدأ المسرحية بمشهد أدائي حيث يظهر جموع الممثلين كما لو أنهم مسوخ متوحشة تحاول نهش بعضها، بينما الزوج ساكن في مكانه ثم يتمتم بعبارات غير مفهومة، وهو مشهد يتكرر في مراحل مختلفة ليعكس الضياع بين الحقيقة والحلم، مع تزايد الحوارات بين الزوج والزوجة، التي لا يكاد يتأكد من أنها موجودة فعلا أم أنها خيالٌ يتجسد له، يظهر لنا أن الزوج يعيش حالة من الانفصال النفسي عن الواقع، غير قادر على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد وهم. الشخصيات الأخرى، مثل الطبيب ورجال الخيال والحقيقة، تلعب دور المحفزات التي تجعله يواجه ماضيه وأخطائه بكل قسوة وألم يتسلل للجمهور.

الزوجة، التي قد ماتت أو قُتلت على يد الزوج، تعود لتطارده في أحلامه، متسائلة عن سبب استمرار الحياة بعد الموت، هذه الأسئلة الفلسفية تكشف عن رمزية الخيانة والموت كأدوات لصراع داخلي يعاني منه الزوج، حيث يصبح غير قادر على التصالح مع ما حدث أو إيجاد سلام داخلي. الطبيب، بدوره، يظهر كمساعد غير مؤهل، إلى درجة ظهورة كمريض نفسي مجنون يبعث على الضحك في مواضع كثيرة، يعيش أسوأ أيامه بينما يحاول إنقاذ الزوج، مما يعكس فكرة عدم وجود منقذ حقيقي في هذا العالم المليء بالتناقضات، وكأن العمل يحيلنا إلى المثل الشعبي “باب النجار مخلع”.

تمثل مسرحية “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا” عملاً فلسفياً عميقاً يتناول فكرة الصراع بين الحقيقة والخيال، وبين الماضي والحاضر. الزوجة تمثل رمزاً للخيانات والتجارب السابقة التي تطارد الإنسان ولا تدعه يرتاح حتى بعد موتها. أما الطبيب، فيعكس فشل المجتمع في تقديم العلاج النفسي الحقيقي لمن يعانون من الألم العاطفي والنفسي.

رجال الخيال والحقيقة يمثلون الجانب الرمزي في المسرحية، حيث يتحدثون عن الأوهام التي تلتف حولنا كأنها حقائق، والعكس صحيح. وفي هذا السياق، يطرح النص سؤالاً حول ماهية الحقيقة وكيف يمكن للإنسان أن يتوه بين الواقع والأوهام دون أن يدرك الفارق.

ويمكن تلخيص فكرة عمل “أضغاث أوهام.. حكاية الرجل الذي مات غدا” على أنها رحلة داخل النفس البشرية، تكشف عن أعماق الصراعات الداخلية التي نعيشها جميعاً، وتصوّر بطريقة رمزية حالة الإنسان في مواجهة خياناته وأحلامه المفقودة وماضيه وضميره.

من الناحية الفنية تميز العمل بديكور بسيط اعتمد على كراس متحركة واسقاطات ضوئية متنوعة وحركة الممثلين في عمق المسرح، في حين سيطر الظلام على مجريات العمل المسرحي إلى حد بعيد. أما الموسيقى فقد وظَّف المخرج موسيقة حية لمرافقة العمل وغناء ما أضاف بعدا جماليا ومؤثرا على العرض.

وتجدر الإشارة إلى أنّ معظم النصوص التي تنافست خلال فعاليات مهرجان المسرح العُماني الثامن قد تفاعلت مع المآسي الإنسانية التي تدور في عالم اليوم، وحضرت فيها الثقافة الانثروبولوجية العمانية وما يصاحبها من طقوس وعادات وموسيقى وأعراف بشكل متّزن، وقلّ التوجه الفكاهي في النصوص؛ ما يعطي مؤشرًا بصعوبة الكتابة المسرحية ذات الطابع الفكاهي، واحتفت النصوص باللغة العربية الفصحى، حيث بلغت نسبة النصوص المكتوبة بالعامية أو اللهجة الدارجة 1 بالمائة فقط، مع المستوى الرفيع للتعاطي مع اللغة العربية الفصحى.

عن نوافذ

شاهد أيضاً

كلنا نغني في المسرح البلدي: جمهور استثنائي في سهرة الزمن الجميل

احتضن المسرح البلدي بالعاصمة مساء يوم الخميس 07 نوفمبر 2024 عرضا فنيا استثنائيا بعنوان كلنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *