تحت شعار فلسطين في القلب، وبالشراكة مع المركز الثقافي والتراث الفلسطيني بتونس ومؤسسة سيدة الأرض، نظّم مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد عشية اليوم الجمعة 26 جانفي 2024 أمسية ثقافية تضمّنت فقرات متنوّعة في الشعر والتراث تخلّلها معرضا للفن التشكيلي لمجموعة من الرسّامين الهواة يصف هول الواقع المرير الذي تعيشه فلسطين عموما وغزة خصوصا، وتُمثّل هذه الفقرات لمسة فنيّة متكاملة الأطراف تدحض رواية العدو الغاشم.
قامت بتأثيث وتنشيط هذه الأمسية التونسية الفلسطينية الشاعرة ليلى ابراهيم أمام حضور متميّز لشريحة مختلفة من منظمات المجتمع المدني والشعراء والأدباء وبعض الهواة للفن التشكيلي.
أشرفت على هذه السهرة رئيسة المركز الثقافي والتراث الفلسطيني بتونس ورئيسة مؤسسة سيدة الأرض الدكتورة نوال قطب حيث أعربت عن سعادتها بهذا اللّقاء الذي يثمّن عراقة العلاقة وتجذّر الصلة بين الشعب الفلسطيني والشعب التونسي.
وأضافت أنّ هذه العلاقة تؤكّد التضامن المتواصل للشعب التونسي مع نضيره الفلسطيني، تضامنا يحاكيه التاريخ منذ النكبة المشؤومة. فكانت هذه السهرة، كبقية السهرات الثقافية، فرصة للتعبير عن ذلك التضامن وكذلك لسرد الرواية الحقيقية لمعاناة الشعب الفلسطيني صاحب الأرض ودحض رواية العدو الغاشم الذي زيّف الحقائق وغلّف الواقع المشين بقناع البراءة والأحقيّة.
كما ذكرت الدكتورة قطب لجريدة “نوافذ” الإلكترونية أهميّة اللّباس في التراث الفلسطيني لاكتسابه طابعا خاصّا يميّزه عن غيره خاصة في فن التطريز الذي تعدّى كونه مظهراً جمالياً يُزيِّن اللّباس إلى أيقونة عالمية، حيث أدرجته منظمة “اليونسكو” ضمن قائمة التُراث الثقافي غير المادي في ديسمبر 2021، مبيّنة أنّ الثوب هو الهويّة الفلسطينية التي تروي الحكاية من خلال فن التطريز.
وأشارت إلى أنّ فنّ التطريز لطالما كان مكوِّنا هامّا في حياة المرأة الفلسطينية في طول البلاد وعرضها. وهو جزء من الفولكلور الشعبي الفلسطيني الذي ورَّثتهُ المرأة إلى بناتها وحفيداتها منذ عصر الكنعانيّين وحتى يومنا هذا، واستخدمته بشكلٍ رئيسيّ في تزيين أثوابها، إلى جانب عدد من حاجات البيت كالمَفارِش والوسائد والمحافِظ وغيرها بألوان تراوحت بين القرمزي والأرجواني على القِطَع المُطرَّزة المتّصلة بمنسوجات الكنعانيين وكذلك زخارف تعكس البيئة المحيطة بكلّ منطقة بفلسطين من أشجارٍ وجبالٍ ومُعتقدات وفق إفادتها.
وقالت قطب أنّ الثوب قد مكّن كلّ منطقة في فلسطين من التعبير عن طبيعتها وجغرافيّتها ببراعةٍ، فالتُراث في المناطق الجبلية يختلف عنه في الساحلية؛ ففي الأولى كان يخلو الثوب من التطريز بسبب انشغال النسوة في أعمال الزراعة وجَلْب الماء، أما في الأخيرة فكان خليطاً من فنون التطريز التي عرفها أهل فلسطين من اختلاطهم بشعوب بلاد أخرى، بينما تواجد التطريز بغزارةٍ في أثواب منطقتي بئر السبع ووسط فلسطين، بسبب توافر الوقت لدى النساء.
ومن جانبه، أفاد الباحث في العلوم السياسية والسياسات العامة يحي قاعود أنّ هذه الأمسية كانت لقاء الحوار بين الشعبين التونسي والفلسطيني بالعديد من الوسائل النضالية التي تدعم صمود الفلسطينيين بكل أرض فلسطين لإثبات حقوقهم بالأدوات المستحدثة على غرار الفن التشكيلي والرواية والتاريخ والشعر… لأنّ فلسطين هي جزء من الوطن العربي الكبير.
كما صرّح قاعود أنّه فلسطيني – وتحديدا من قطاع غزة – قد حضر هذه الأمسية للتحدّث مع إخوانه التونسيين بمختلف الإختصاصات عن الواقع المرير المعاش بغزة والثناء على ابداعاتهم في كافة المجالات كنوع هامّ من أنواع النضال والمساندة والدعم والذود عن حياض فلسطين بالفن.
ومن جانب آخر، صرّح الشاعر السوري وعضو منظمة التحرير الفلسطينية هادي دانيال أنّ مداخلته تلخّصت في تقديم قصيدته بعنوان “قصيدة المدينتين” التي انطلق بكتابتها منذ اجتياح جنين وأنهاها بأواخر نوفمبر 2023 في أجواء العدوان الوحشي على غزة.
وشدّد دانيال أنّ الشعر ليس ببحث أو رواية بل لابدّ من سماعه أو قراءته لأنّ كلّ مستمع يمكنه أن يفهم حسب تصوّره الخاص به والمختلف عن غيره من دلالات للنص الشعري، مشيرا إلى أنه قد تمت دعوته لكلّ التظاهرت الثقافية التي تتضمّن قراءات شعرية داعمة للقضية الفلسطينية.
وفي تساؤلنا عن مدى مساهمة هذه الأنشطة الثقافية في دعمها للقضية، أجاب دانيال أنّ هناك حاجة لتأكيد الرواية والسردية الفلسطينية التي تحاكي معاناة وتطلّعات الشعب الفلسطيني الداحضة للسردية الصهيونية. هي سرديّة لابدّ من توجيهها للعالم الغربي لكن تمكّن أبناء غزة بما قاموا به من اسقاط للسردية الاسرائيلية بالمنابر الاعلامية داخل الوعي الغربي من خلال تعرية الواقع من مجازر وتدمير وقتل وحشي وتقتيل للأطفال ودحض مفهوم الدولة الديمقراطية والحضارية لإسرائيل.
كما قال أنّ القضية الفلسطينية لا يجب أن تقف عند التظاهرات الثقافية بل لابدّ أن تتجاوزها لتتربّع على عرش المحاضرات التعليمية، وأنّ العرب مطالبون بالدفاع عن الحق الفلسطيني، إذ مرّت ما يزيد عن 10 سنوات لفترة ما تسمّى بالربيع العربي قد غُيّبت فيها القضية عن المنابر الإعلامية وانشغلت عنها بمشاكلها الداخلية وقد حان الوقت لمطالبة النخب الثقافية والسياسية بإعادة بناء السردية الفلسطينية وتقديمها بطريقة تلقى إستجابة من الأجيال الجديدة.
وفي حديثنا عن مجموعتها الشعريّة بعنوان “جسد منفيّ في عباءة ثلج”، أفادت الشاعرة وعضو اللّجنة الوطنية لدعم المقاومة أمال الهمامي أنّ حضورها ارتكز على دعم المقاومة بالقلم والكلمة ليكون رافدا مستديما من روافد القضية الفلسطينية.
كما أوضحت الهمّامي أنّ كتابها “جسد منفيّ في عباءة ثلج” يتضمّن 72 صفحة تحكي عن نوع من الإغتراب في الهوية والأرض والانتماء الى القضية، وهو كتاب متعدّد الأجزاء: جزء يتطرّق لموضوع المرأة ونضالاتها، وجزء عن الهويّة العربية الفلسطينية وتمزّقها وتشتّتها بأرضها، وجزء عن الوجع، وجزء عن الانتماء الى قضايا الأمة العربية الاسلامية…الخ.