بمناسبة الإحتفال بفعاليات الدورة 31 لشهر التراث 2022 ، تحيي بلدية الكريب بالشراكة مع المعهد الوطني للتراث وجمعية كنوز الطبيعة ودار الثقافة ” ابن خلدون ” بالكريب الدورة الاولى لمهرجان ميستي الأثري تحت شعار ” ميستي تاريخ وحضارة ” إنطلاقا من يوم 13 إلى 15 ماي 2022 .
وتُلقي هذه التظاهرة الثقافية الضوء على أهمية التراث الثقافي المادي الذي يُميز البلاد من خلال التعريف بالموقع الأثري بميستي وبهذا الخصوص قدّما محافظ مستشار بالموقع عفاف السعيدي والدكتور الباحث علي الشريف وهو أستاذ جامعي بجامعة جندوبة لمحة تاريخية حول المعلم الأثري بميستي ، حيث يعتبر هذا الموقع من أهم المواقع الأثرية التي يزخر بها إقليم الشمال الغربي وولاية سليانة ولا يقل أهمية عن موقع مكتريس بمكثر وجامة وكسرى…ويمتد على حوالي 20 هكتار. وقد تم تشييده في القرن 2 ق م من طرف القائد الروماني ماريوس الذي أهدى هذه الرقعة الترابية إلى جنوده بعد انتصاره الساحق ضد القائد القرطاجي يوغرطة .
وموقع ميستي الأثري مزدحم بالمعالم الأثرية التي تمثل حقبات تاريخية مختلفة تجسد ملامح الحياة اليومية لسكان رومانيين وبيزنطيين مروا به وتركوا آثارهم .
ويحتوي المعلم الأثري على شواهد تاريخية تدل على تعاقب حضارات عديدة عليه حيث توجد مجموعة هامة من النقائش اللاتينية التي تدل على أن بلدية ميستي من أقدم البلديات الموجودة في الولاية الرومانية خلال القرن 2 ق م .
كما تم تشييد عديد المعالم المتنوعة منها معابد دينية معبد أبولون ومعبد فرتوكان… إضافة إلى كنيسة بيزنطية وكنيسة رومانية يوجد فيها حوض تعميد وهذا مايدل على انتشار الديانة المسيحية في تلك الفترة.
هذا بالإضافة إلى وجود صهاريج ماء كبرى اعتمدت لتخزين مياه الأمطار التي يتم استغلالها في المعالم العمومية مثل الحمامات ونافورات الماء .
ويتميز الموقع بتشييد حصن بيزنطي يكتسي صبغة دفاعية تم تشييده بالأساس في الفترة البيزنطية قصد حماية المدينة من الهجمات الخارجية خلال هذه الفترة التي شهدت إضطرابات وحروب طويلة المدى .
كما توجد منازل رومانية ودكاكين تميزت بهندستها المعمارية وصمود بنيانها .
وفي آخر أطراف المدينة يقع قوس النصر يحمل نقشة تدل على أن بناءه تم من طرف مواطن أصيل موقع زامة أريجيا أهداه الى الامبراطور ڤورديان الذي امتد حكمه بين 238م و 244م.
وحسب ماصرح به المتفقد الجهوي للتراث بالشمال الغربي محي الدين الشوالي أن موقع ميستي غير مدرج ضمن المسالك السياحية وغير مفتوح للعموم مع إمكانية إدراجه بعد استكمال مشروع التهيئة الذي يشمله.
وأضاف أن الموقع يمثل ثروة تاريخية تراثية هامة تخص الجهة, حيث تعتبر مدينة الكريب مدينة فلاحية خصبة اختارها الرومان ملاذا للعيش وشيدوا فيها مدينتهم الأثرية نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام وهي تقع على الطريق القديمة الرابطة بين قرطاج وتبسة في الأراضي الجزائرية.
وبخصوص الدورة الأولى لمهرجان ميستي الأثري تحت شعار “موستي تاريخ وحضارة “صرح رئيس جمعية كنوز الطبيعة ومدير المهرجان أحمد الجبالي أن الفكرة جاءت تزامنا مع الإحتفال بشهر التراث وقد خصص هذه السنة لللباس التقليدي والذي يمثل أحد أهم عناصر التراث اللامادي باعتباره مكونا هاما للهوية الوطنية ورمزا لما توارثته الأجيال من ثقافة وحرفا وفنونا.
وأضاف السيد أحمد الجبالي أن فكرة المهرجان تبلورت للإحتفال بالتراث الثقافي اللامادي الذي تتميز به الجهة إضافة إلى إحياء آثار ميستي وتثمينه وتحسيس عامة الناس بأهميته باعتباره معلما تاريخيا مهما.
وقد إنطلقت فعاليات التظاهرة الثقافية في الموقع الأثري ميستي يوم 13 ماي 2022 حيث احتوت على محاضرات تخص تاريخ الموقع أثثها كل من المتفقد الجهوي للتراث بالشمال الغربي والمندوب الجهوي للثقافة بولاية سليانة والدكتور الباحث علي الشريف ومحافظ مستشار الموقع ورئيس بلدية الكريب.
كما شهد اليوم الأول من الدورة عروضا فروسية قدمها فرسان أولاد عيار إضافة إلى معرض اللباس التقليدي والزيوت البيولوجية والمواد الغذائية من أيادي نساء الكريب والحرف التقليدية من طين ونسيج ومرڤوم تم عرضهم في الدكاكين الرومانية بموقع ميستي الأثري.
وقام زوار التظاهرة بزيارات ميدانية للمسلك السياحي الذي تعده بلدية الكريب مع جولة استطلاعية في آثار ميستي للتعرف على أهم المعالم الأثرية.
وخلال الفترة المسائية، تم عرض شريطا وثائقيا يثمن جهة الكريب ومناقشته.
وكان برنامج اليوم الثاني من الدورة، الموافق ليوم 14ماي الجاري، حافلا وثريا ودارت فعالياته بسد واد أركو من منطقة الخنڨة حيث تمت مواكبة مراحل إنتاج الصوف من بداية جز الخرفان إلى نسج الصوف وعرض يخص إنتاج الشربة من السنبلة إلى مرحلة الرحي.هذا إضافة إلى إحياء العرس التقليدي بجبل زقنقة بمنطقة الخنڨة حمام بياضة الجنوبية بمرافقة عرض فرقة أولاد سالم للفروسية والفنون الشعبية.
وقدمت دار الثقافة ابن خلدون بالكريب نشاطا للأطفال.وكانت رياضة الرماية حاضرة من خلال تصفيات مسابقة الرماية وتوزيع الجوائز على الفائزين.
وفي المساء، أحيت فرقة التوتة للفنون الشعبية حفلا ساهرا بساحة الفوروم الخاصة بالموقع الأثري ميستي.
وسيكون الإختتام يوم الأحد 15 ماي الجاري بتواصل معرض المنتوجات التقليدية بالموقع وتقديم شهائد شكر للحرفيات المشاركات اللاتي أثثن هذه التظاهرة وساهمن في إنجاحها.
وستُختتم الدورة الأولى لمهرجان ميستي الأثري بعرض فرجوي بعنوان “الزمكان” للسيدة نجوى بن زينب من ولاية المهدية بساحة الفورم.
وللتذكير أن شهر التراث هو تظاهرة سنوية أُحدثت سنة1991 وتُعدّ من أبرز المواعيد والمحطات الثقافية الوطنية التي تحرص وزارة الشؤون الثقافية على حسن تنظيمها واستمرارها نظرا لما تزخر به تونس من مخزون ثقافي تراثي مادي ولامادي.
والتراث الثقافي لا يقتصر على المعالم والآثار المادية بل يشمل أيضا التقاليد وأشكال التعبير الحية الموروثة عن الأسلاف وانتقلت عبر الأجيال لتُـرسّخ لدينا الشعور بالهوية الوطنية والأصالة.