الذهب الأخضر صابة قياسية مرتبطة بالظروف المناخية
لمياء بن عون
24 أكتوبر، 2021
مال و أعمال
588 زيارة
الذهب الأخضر هو تلك الشجرة الشامخة في سهولنا وهضابنا وحتى في جبالنا، ذات الأوراق البراقة المغذية لأطفالنا ولشيوخنا.
حكاية عشق تونسية:
الزيتونة شجرة مباركة لها حضور في الذاكرة الجماعية لشعوب المتوسط عامة وللتونسيين خاصة. جلبها الفينيقيون إلى تونس خلال القرن التاسع قبل الميلاد. وشجرة الزيتون شجرة طيبة ذات فوائد عديدة , تشتهر بها منطقة البحر المتوسط و قد استخدم الزيتون و زيت الزيتون منذ قديم الأزل واستخدمت أوراق الزيتون في تضميد الجروح و استخدم زيتها في العديد من العلاجات الطبية و جعلت أغصان الزيتون رمزاً للسلام.
قد يجهل الكثيرون ان زيت الزيتون البكر التونسي يعدّ أحد أجود أنواع الزيتون في العالم و أن البلاد التونسية اصبحت اول و أكبر منتج لزيت الزيتون في العالم لتتصدر القائمة قبل اسبانيا و ايطاليا و فرنسا، فهي تصدر كميّات هائلة من زيت الزيتون الرفيع البكر ذي الجودة العالية، الذي يعدّ محبّذا جدّا لدى المعبئين رغم عدم إشارتهم إلى تونس كبلد أم لهذا الزيت.
وكشفت وزارة الفلاحة التونسية عن تقديرات حصيلة زيت الزيتون لهذا الموسم الفلاحي لسنة 2021، وتوقعت أن تكون طاقة الإنتاج في حدود 240 ألف طن، مسجلةً بذلك زيادة في حدود 100 ألف طن وذلك مقارنةً مع النتائج المسجلة خلال الموسم الماضي، وأكدت أن جودة المنتوج وتثبيت هذه التقديرات مرتبطان بالظروف المناخية التي سيعرفها شهر أكتوبر الحالي لسنة 2021، كما سجلت تونس خلال الموسم الماضي إنتاجاً في حدود 140 ألف طن من زيت الزيتون، وهو ما يعني تراجعاً بنسبة 65% مقارنةً بالصابة التي عرفها موسم 2019 – 2020.
هذا، وتحتل المساحات المستغلة لغراسة أشجار الزيتون مكانة هامة حيث تغطي أكثر من 65 مليون شجرة زيتون وهو ما يقارب 32% من المساحة الجملية المستغلة زراعيّا أي ما يقدر بنحو 1.7 مليون هكتار وتمتلك تونس ثاني أكبر مساحة مخصصة لغراسة أشجار الزيتون بعد إسبانيا بحوالي 18% من المساحة الجمليّة العالمية لحقول الزيتون. لذلك تعمل تونس جاهدة الى تطوير استراتيجيتها في غراسة و جمع الزياتين و الحفاظ على هذه المكانة المتميزة التي اكتسبتها و ذلك عبر استغلال امكانيتها على احسن وجه و الحفاظ على مكانتها في الاسواق العالمية التي سرعان ما تتغير معالمها.
زيت الزيتون في المطبخ التونسي:
يعتبر المطبخ التونسي جزءا من المطبخ المتوسطي الذي يعتمد خصوصا على زيت الزيتون و الفلفل الحار و القمح الصلب و الخضروات و العديد من التوابل و البهارات. ومن اهم ما يشتهر به المطبخ التونسي الكسكسي و البريك بمختلف انواعه فلا يمكن تصوّر الطبخ التونسي بدون زيت الزيتون البكر حيث ان معظم الأطباق التونسيّة يتمّ تهذيبها بهذا الزيت. فقد تفقد الكثير من الاطباق نكهتها إن لم يتم طهيها بزيت الزيتون.
ويشكل زيت الزيتون البكر إلى جانب الخبز بدون أدنى شك المادة الغذائية الأساسية التي قلّ ما يمكن للتونسيين الاستغناء عنها. فإلى جانب توظيفه في المطبخ لطهي المأكولات يمكن استغلاله في حفظ المأكولات إلى جانب استعماله في مجال العناية بالجسم والمداواة. حيث لاتزال العديد من الأمّهات إلى حدّ اليوم ينظفن رضيعهنّ في الأشهر الأولى بواسطة زيت الزيتون البكر فقط لفوائده الجمة.
فوائد زيت الزيتون:
يعد زيت الزيتون من اغنى المصادر احتواء على الدهون الاحادية غير المشبعة وهو احد المكونات الرئيسية لحمية البحر المتوسط الشهيرة و التي اكتسبت شهرة واسعة بفضل الصحة الجيدة التي يتمتع بها سكان الحوض المتوسط. كما ان زيت الزيتون يحافظ على رائحته و طعمه و المكونات التي عليها ثماره.
ويستخدم زيت الزيتون لمنع الأزمات القلبية والسكتة الدماغية و سرطان الثدي سرطان القولون والتهاب المفاصل والصداع النصفي و امراض ضغط الدم و السكري و الكورستيرول و هشاشة العظام و غيرها من الامراض …
كما ادرج زيت الزيتون في الصناعات التجميلية حيث تستخدمه كبرى شركات انتاج مواد التجميل في صناعة ادوات الزينة الفاخرة ومواد الحفاظ على ليونة الشعر و جماله وكريمات ترطيب البشرة وصقلها.
مشاكل القطاع وبعض الحلول لمجابهتها:
يستهلك التونسي 1.2 لتر زيت زيتون في السنة وهو معدّل ضعيف جدا بالنظر الى انتاج البلاد ويفسّر الخبراء هذا التدني في معدل استهلاك زيت الزيتون الى ارتفاع ثمن هذه المادة. فالتونسي ظل لسنوات يسمع عن وفرة الانتاج و الصابة و لا يقدر على استهلاك و لو قسط منها.
و رغم هذا النجاح الكبير للموسم الفلاحي لزيت الزيتون يجب ان لا يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة لان الاحصائيات تؤكد أنه من جملة 80 مليون شجرة زيتون هنالك 28مليون شجرة فتية في حين اصيبت البقية بالتهرم وهو ما يحد من طاقتها الانتاجية وهذا يحتم الاسراع في وضع استراتيجيا تشارك فيها كل الاطراف المعنية لتجديد غابات الزياتين التونسية لضمان مردوديتها وتقي القطاع من التذبذب من سنة الى اخرى في الانتاج الذي لا تتواتر فيه الصابة على مر المواسم بل تختلف من سنة الى اخرى نزولا وارتفاعا. هذا دون ان يفوتنا الوعي بان عدة ظروف خارجية ساعدتنا في السنوات الماضية لاحتلال المركز الاول لعل أهمها إصابة أشجار الزياتين الاتحاد الاوروبي بفيروس خطير اضر بالإنتاجية خاصة في اسبانيا و اوروبا.
لذلك وجب اتخاذ الاجراءات الوقائية منذ هذا الموسم لتفادي الاشكاليات في بقية المواسم و الحفاظ على نسقنا المعهود. اضافة الى ضرورة دعم المنتجين التونسيين لزيت الزيتون إلى ضرورة مزيد العناية بتسويق المنتوج التونسي على المستوى العالمي عبر انشاء شركات تهتم بالتصدير والتعليب في قوارير ونشير في هذا الصدد إلى أنّ نسبة كبيرة من زيت الزيتون التونسي يتمّ تصديره في شكل كميات كبيرة (حاويات وصهاريج وبراميل) ولا يجرأ إلا القليل من مشتري الزيت على ذكر تونس كبلد أم لهذا المنتوج على علامة تعليبهم.
دون ان ننسى اهمية تطوير البحوث والدراسات التي تعنى بايجاد مشاتل جديدة تناسب المناخ و التطورات الزراعية العالمية عبر ايجاد شركات مع دول اخرى يضاهي انتاجها الانتاج التونسي على غرار اسبانيا و ايطاليا. او انشاء مركز خاص لدراسة الزيتونة التونسية صلب احدى جامعات الفلاحة في تونس يكون مجال تخصصها متفرد و خاص بالشجرة المباركة. اضافة الى البحث عن افاق ترويجية اخرى و لما لا جعل الزيتونة منتوج سياحي عبر اقامة مهرجات و احتفالات خاصة في كامل مناطق الجمهورية يحضرها السياح حتى يواكبوا مراحل الجمع و العصر و التعليب.
معلومات مفيدة:
تقاس جودة الزيت المنتج عادة بمدى حموضته، فكلما كانت الحموضة اقل كان الزيت أجود، كما يتعارف شعبيا أن زيت الشمال معروف بشدة حموضته وبخضرته وبنكهة خاصة به، تختلف على انواع الزيت المنتج في الساحل والوسط وخاصة الجنوب الذي يتميز بلونه الاصفر، وبمحدودية حموضته بشكل عام.