أم الشهيدين … خنساء تونس
نوافذ
17 أكتوبر، 2021
فضاء حر
1,133 زيارة
عن حب الوطن تحدثكم ، عن التضحية بفلذات كبدها تعلمكم أن حب الوطن أغلى من الولد، عن العزة والشهامة تروي لكم أساطير الأجداد والآباء في الدفاع عن الأرض ، في الدفاع عن العرض.
هي زعرة السلطاني ،”خنساء تونس ” ، الأم التي فقدت ابنيها “مبروك وخليفة السلطاني “، الأم التي شاهدها عامة الناس، صابرة ،راضية، محتسبة، بعد استشهاد ابنيها على يد الجماعات الإرهابية في جبل مغيلة.
هي الأم التي ضربت أروع مثال في العطاء الذي لا حدود له ، خنساء تونس التي رثاها كل من علم بحكايتها وعرف أطوارها ،هي زعرة السلطاني.
من رحم الجبال ولدت …
زعرة السلطاني ، ابنة الجبل ،ابنة الزعتر و الاكليل ، ابنة السهول، والهضاب، قضت حوالي 60سنة من العمر تتجول بين الأشجار، فبها تحيا وبرائحة الإكليل والصنوبر تتحرك.
هم الخالة زعرة ابنة الستين ربيعا ، أن ترعى بقطيع أغنامها ، مصدر رزقها الوحيد بعد أن توفي زوجها سنة 2006، فبعد أن توفي رفيق دربها وسندها، وبقيت تجابه الحياة ، بالقليل من الفتاة الذي تركه لها زوجها حتى تطعم أطفالها الثلاثة.
محمد،خليفة،ومبروك، هو كل ما تملكه الخالة زعرة في هذه الحياة،أفنت عمرها ، وكرست حياتها لتربيتهم، زرعت فيهم حب العمل ، وحب الوطن.
تقول الخالة زعرة التي أنهكتها الحياة ، لم تتخلى عن تلك النظرات الثاقبة، عن ذلك الشموخ،كيف لا وهي من أخذت من الجبال شموخها، ومن الأشجار ثباتها ،ومن الطبيعة الصبر والمثابره. تقول في حوار مع مجلة “ميم” ،”محمد ،وخليفة,ومبروك ، ابنائي الثلاث ، فلذات كبدي، هو كل ما خرجت به من هذه الحياة، عانيت الويلات، اخذت من عمري وأعطيتهم حتى يكبروا ،ويشتد عودهم، ربيتهم على الصدق، على المحبة.”
شجاعة خنساء تونس واقدامها ، وإصرارها، وصبرها ، صفات كسبتها من الحياة ووهبها لها الله ،لتصبر على الابتلاءات والمحن.
“منذ وفاة زوجي، اخذت على عاتقي مسؤولية المنزل ، عانيت الويلات حتى يكبر زهرات فؤادي ، مبروك وخليفة ومحمد، كنت أرعى قطيع الأغنام في جبل مغيلة المحاذي لمنزلنا الواقع في دوار السلاطنية من ولاية سيدي بوزيد، واجمع الحطب وأقوم بشؤوني منزلي، وأولادي يساعدوني على ذلك، مرت السنون إلى أن كبر أولادي ،ونقص حمل الحياة عني…”تواصل الخالة زعرة حديثها ،حديث كله حكم فكلما تحدثت الا وتكلمت دررا ومواعظ ، تعكس مدى حنكة هذه المرأة العظيمة وحكمتها ، فلا الكلمات ولا السطور كافية حتى تعرفوا قصة خنساء تونس، فحتى تمتعض من حكايتها ما عليك الا ان تزورها في بيتها في منطقة جلمة من ولاية سيدي بوزيد وستروى من تجارب الحياة، وتعرف معني الابتلاء والصبر والشهامة.
أسيرة الجبل… تودع مبروك وخليفة
تجرعت الخالة زعرة ، مرارة الفراق وذاقت علقم الفقد ولوعة الوداع ، بعد أن فقدت ابنها الأصغر مبروك السلطاني الذي استشهد على يد مجموعة إرهابية متحصنة في جبل مغيلة في نوفمبر 2015 “الإرهابيين قطعوا رأس ابني وأرسلوه مع ابن عمه لي في كيس”.هي حادثة هزت الشارع التونسي، حادثة استباحت فيها الطفولة ، مبروك ذاك الطفل اليتيم ، الراعي الصغير ، غادر مقاعد الدراسة مبكرا بعد أن عجزت والدته عن توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها.
مبروك أو كما يحلو للخالة زعرة أن تناديه باسم “بريك” ذهب ليرعى بقطيع الأغنام الا انه عاد الى حضن امه جثة هامة.
لم تشفى خنساء تونس من لوعة فراق ” بريك” حتى فقدت ابنها الثاني “خليفة” بنفس الطريقة وعلى يد نفس المجموعة الإرهابية في شهر جوان 2017، قرابة الثمانية عشرة شهرا هي المدة الفاصلة بين الحادثتين، استشهاد خليفة ومبروك .
” تركوني وذهبوا ، تركوني وحيدة في هذه الحياة ، ماذا فعلت ؟ لم أشفى من لوعة فقدان “بريك” حتى فقدت “خليفة” ..” بحرقة ولوعة تحدثنا الخالة زعرة عن فقدان ابنيها بنفس الطريق ، ذبحا دون شفقة ولا رحمة، روت دمائهم الأرض التي ترعرعت فيها الخالة زعرة.
خليفة السلطاني من القصر … الى القبر
مشهد تراجيدي ،مأساوي، ما حدث مع أبناء السلطاني ، كان خليفة يدافع على شقيقه الصغير البالغ من العمر 16 سنة ، والذي استشهد على يد الجماعات الإرهابية، يومها لم يكن يعلم أنه سيكون ضحية الإرهاب الغادر، يوم مقابلته رئيس الجمهورية لم يكن يعلم أن مصيره سيكون مثل مصير شقيقه الأصغر.
تحدى الشاب خليفة المجموعات الإرهابية عبر شاشات التلفاز ، أن قتلهم لشقيقه لن يرعبهم ولن يخيفهم، أن أبناء جلدته سيقفون صفا منيعا في وجه هذه المجموعات الغادرة ، فمات على ما كان يقول ، استشهد خليفة بعد مرور 18 شهرا عن استشهاد شقيقه الأصغر ، مدافعا عن الارض ، عن الوطن.
عاد خليفة كما عاد مبروك محمولا على الأعناق، مغطى بالراية الوطنية، التي استشهد لأجلها.
مرايا الدموع ، عكست معاناة خنساء تونس التي بكت ولداها ، وابكت التونسيين، التي لقنت التونسيين درسا في الصبر والعزيمة ، أنها غادرت الأرض ولكن حبها للوطن تضاعف.
من السلاطنية إلى جلمة
” حاليا أقطن في مدينة جلمة … رحلت خوفا على حياة ابني الثالث ، وحيدي وأنيسي “محمد” ، أشعر بالأمان ، رحلت وتركت ذكرياتي، رحلت بألامي وأمالي أن يعيش محمد بسلام .” بعينين مليئتين بالدموع لن أفرط في حق مبروك وخليفة.”
” اتهم ابن عم ابن خليفة فهو من وشى به الى الارهابيين ، وغرر به بعد أن أقنعه بالذهاب إلى الجبل لرعي الأغنام في الجبل ، بينما كانت المجموعة الإرهابية في انتظاره.” بحرقة وألم كبيرين تطالب خنساء تونس السلط المعنية بمحاسبة من اتهمته بالمساهمة في قتل ابنها الثاني.
بأمل وحرقة وابتسامة خفيفة تخفي وراءها قصة أم فقدت الغالي والنفيس من أجل هذه الوطن ، هي الأم التي أحبها كل التونسيين ، هي التي جمعت كل شرائح المجتمع في منزلها البسيط ،وهي تودع فلذات كبدها تاركة رسالة ” أن الوطن أغلى من الولد”.
ثريا القاسمي