حقّ الرّعاية الصّحية للمهاجرين في تونس وللعائدين التّونسيّين من المهجر
نوافذ
31 أكتوبر، 2020
ملتقيات طبية
1,259 زيارة
عقدت منظمة أطبّاء العالم بلجيكا – فرع تونس وشركائها، يوم الأربعاء 28 أكتوبر 2020 بتونس العاصمة، ملتقى إعلاميّا وتحسيسيّا حول نتائج مشروع “تحسين النّفاذ إلى الرّعاية الصحيّة للمهاجرين في تونس والتونسيّين العائدين من المهجر” بمشاركة خبراء وممثّلين عن مختلف الوزارات والهياكل والجمعيّات والجهات المانحة.
هذا المشروع متعدّد التخصّصات الّذي قام بتجنيد مختلف الأطراف الفاعلة ينتهي في أكتوبر 2020 بعد أن تمّ اطلاقه سنة 2015 في تونس الكبرى ثمّ توسّع ليشمل منطقتي صفاقس ومدنين. وقد حظي بدعم العديد من الجهات المانحة، بما في ذلك التّعاون السّويسري والتّعاون الألماني ومكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC وصندوق الأمم المتحدة للسّكان UNFPA ومنظمة الإغاثة الإسلامية IR)) وهيئة الأمم المتّحدة للمرأة وصندوق الأمم المتّحدة الاستئماني لضحايا الاتّجار بالبشر.
وتتمثّل الأهداف الرئيسية للمشروع في العمل على تحسين النّفاذ للخدمات الصّحية لفائدة المهاجرين نساء ورجالا وأطفالا الّذين هم في وضعيّة هشاشة ويواجهون ظروفا صعبة اقتصاديّا واجتماعيّا ولفائدة التّونسيّين العائدين من المهجر، إلى جانب تعزيز قدرات المؤسّسات الفاعلة في قطاع الصّحة والجمعيّات من أجل الإحاطة الطبيّة والاجتماعيّة والمتابعة النفسيّة مع ضمان احترام حقوق المهاجرين والاتفاقيّات الدوليّة.
أكثر من 8500 استشارة طبيّة ونفسيّة في عام واحد:
خلال المرحلة الثّالثة من تنفيذ المشروع، من شهر أفريل 2019 إلى شهر أكتوبر 2020، بلغ العدد الإجمالي للاستشارات الطبّية والنّفسيّة الاجتماعية المقدّمة لفائدة السّكان المهاجرين، في تونس الكبرى وصفاقس ومدنين، أكثر من 8500 استشارة. ومنذ جانفي 2020 تمّ إجراء أكثر من 72 استشارة مع التونسيين العائدين من المهجر من الفئات الهشّة، 29٪ منهم من النّساء.
وكانت سنة 2020 صعبة جدّا نظرا لاندلاع الأزمة الصّحية بسبب وباء الكوفيد-19 بُذلت فيها جهودا كبيرة بهدف حماية المهاجرين ووقايتهم ونفاذهم للرّعاية الصّحية الأساسيّة والتّداوي. وتمّ توعية أكثر من 435 مهاجرا بالتّدابير الوقائية بالإضافة إلى توزيع 383 مجموعة من مستلزمات النّظافة والصحّة و 6 معدّات طبّية لمؤسّسات الرّعاية الصحيّة مع تسيير 24 دوريّة للعلاج السريع.
تنمية قدرات الإطارات الجمعيّاتية والطبّية:
تمّ في إطار المشروع تكوين وتدريب 4 مجموعات من الميسّرين الاجتماعيّين سنتي 2019-2020 بالشّراكة مع الجمعيّة التّونسية للصّحة الإنجابيّة ATSR ومنظمة تونس أرض اللّجوء Terre d’Asile Tunisie (TAT) وجمعية القيادة والتنمية في إفريقيا ALDA ممّا أتاح تجنيد قرابة 53 ميسّر اجتماعيّ من جميع الأطراف المتدخّلة، 64٪ منهم من النّساء.
كما تمّ تنمية قدرات 23 إطار صحّي وتكوينهم في مجالات متعدّدة مثل “الهجرة والقانون” و”الصّدمات النّفسية في المهجر” و “مهارات الرّعاية الصحيّة حسب الثّقافات” و “تحدّيات الهجرة والصّحة” و “المراجع الطبّية والنّفسية والاجتماعية لحسن الإحاطة بالمهاجرين”.
مركز خاصّ بمنطقة البحر الأزرق بالمرسى:
وفي جويلية 2020 تمّ افتتاح مركز خاصّ بمنطقة البحر الأزرق بالمرسى بهدف توجيه المهاجرين والإحاطة بهم وتحسين نفاذ الفئات الهشّة منهم ومن التّونسيين العائدين من المهجر للرّعاية الصحيّة. وهي تجربة نموذجيّة أولى من نوعها في تونس لاقت استحسان ودعم العديد من الأطراف والمستفيدين. وقد تمكّن المركز من دعم وتوجيه عدد هامّ من النّساء المهاجرات الأفارقة والحوامل.
أنشطة للتّواصل والتّحسيس وتجنيد كافّة الأطراف المعنيّة:
أعدّت منظمة أطبّاء العالم بلجيكا – فرع تونس وشركائها سلسلة من الدّراسات حول موضوع الهجرة والصّحة. ففي ديسمبر 2019 تمّ إطلاق دراسة بيانات أساسيّة حول نفاذ المهاجرين للوقاية الشّاملة. وخلال سنة 2020 تمّ إعداد أطروحة دكتوراه بعنوان “الصّحة النفسيّة للمهاجرين في تونس أثناء وباء الكوفيد -19”.
وفي إطار المشروع، تمّ إجراء دراسة أخرى في جويلية 2020 بتمويل من التّعاون الألمانيّ، GIZ تونس، تحت عنوان “تحليل التّجارب المعيشيّة للتّونسيّين العائدين من المهجر: عوامل التيسير والعقبات أمام الاندماج الاجتماعي والاقتصادي”.
وفي المدّة الأخيرة، تمّ يوم 10 أكتوبر 2020 توقيع اتفاقيّة ثلاثيّة بين منظّمة أطباء العالم – بلجيكا وجمعيّة التنمية المستدامة والتّعاون الدّولي ADDCI وبلدية جرجيس تهدف إلى إطلاق دراسة استكشافية من أجل تحديد احتياجات السّكان المهاجرين الذين يعيشون أوضاعا هشّة في النّفاذ إلى خدمات الصّحة والحماية الاجتماعيّة بالمنطقة.
ومن أجل تحسين عمليّة الاتّصال والتّواصل مع المستفيدين والشّركاء والتّحسيس بحقّ المهاجرين في النّفاذ إلى خدمات الصّحة والرّعاية الطبيّة وبالتّجارب والممارسات الحسنة، قام فريق المشروع بإعداد وتوزيع منشورات وموادّ توعويّة وأدلّة للإرشاد الصّحي والطبّي إضافة إلى إنتاج فيلم وثائقيّ عن الاتّجار بالأشخاص.
وصرّحت السّيدة كريستال ليون Christelle Léon، المنسّقة العامّة لمنظمة أطبّاء العالم بلجيكا – قسم تونس قائلة: “تساهم منظّمتنا غير الحكوميّة المتواجدة في تونس منذ سنة 2012 في تمكين الفئات الضّعيفة والهشّة من السّكان، تونسيّين كانوا أم مهاجرين أجانب، من حقّهم الإنسانيّ في الصحّة والعلاج، وذلك من خلال برامج اجتماعيّة مبتكرة”. مضيفة “إنّ نشاطنا ومبادرات المجتمع المدنيّ لا تحلّ محلّ عمل السّلطات والمرافق العموميّة، بل بالعكس نحن ندعّم أدوار ومسؤوليّة كلّ الجهات ونعمل في شراكة متعدّدة الأطراف والاختصاصات من أجل تمكين الفئات الهشّة من التمتّع بخدمات الصّحة والرّعاية النفسيّة والإجتماعيّة”.
الهجرة وحقوق الإنسان: معضلة تحتاج إلى العمل المشترك:
الهجرة ظاهرة معقّدة ومتغيّرة حسب الظّروف المختلفة المسبّبة لها. ويواجه المهاجرون عادة ظروفا قاسية ومؤلمة أثناء الهجرة. ويشمل ذلك العنف المسلّط وسوء الأحوال المعيشيّة والاقتصادية والاجتماعية والنّفسية وصعوبة الحصول على الرّعاية الصّحية، ويؤدّي ذلك إلى تدهور حالتهم الصحيّة.
وتنصّ منظمة الصّحة العالميّة إلى أنّ الصّحة هي حالة من الرّفاه البدنيّ والنّفسي والاجتماعي، وليست مجرّد غياب مرض ما لدى الإنسان. إنّ التمتّع بأفضل صحّة ممكنة هو أحد الحقوق الأساسيّة لكلّ إنسان، بغضّ النّظر عن العرق أو الدّين أو التوجّه السّياسيّ أو الضّرف الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه.
وغالبًا ما يكون السّكان المهاجرون من الشّباب الّذين يتمتّعون بصحّة جيّدة قبل عمليّة الهجرة. إلاّ أنّ الظروف الخاصّة والصّعوبات التي يعترضونها في المهجر يمكن أن تؤثّر سلبا على صحّتهم آنيّا أو تدريجيّا مثل التعرّض لبعض الأمراض المعدية والأوبئة والأمراض المزمنة أو بفعل تأثيرات البيئة المناخيّة والتفرقة الإجتماعيّة وتغيّر الثقافات أو العنف في الطّريق وأشكال الاستعباد والاستغلال أو انعدام الأمن والقلق إزاء الحاضر والمستقبل. كلّ ذلك له تأثيرات سلبيّة مباشرة على الصّحة الجسديّة والنفسيّة للمهاجرين، إضافة للظروف المعيشية التي تزيد من تعرّضهم المباشر للمخاطر مثل السّكن في ظروف صحيّة سيئة ووضعيّات التنّقل والعمل والفقر وعدم الاكتفاء الغذائي كمّا وكيفا.
ويمكن أن يشكّل النّفاذ المحدود للرّعاية الصّحية وخدمات التّداوي في بلدان العبور أو البلدان المضيّفة عائقًا رئيسيًا أمام حماية المهاجرين، رجالًا ونساءً. وتعمل منظمة أطبّاء العالم بلجيكا مع شركائها المختلفين في تونس على زيادة الوعي والتّحسيس وتجنيد الطاقات والمناصرة لتحسين الرّعاية الصّحية للمهاجرين وضمان حقّهم في التّداوي والإحاطة الإجتماعيّة والنفسيّة والحدّ من كافّة أشكال الإقصاء والتّهميش.