الهند دولة نامية يتجاوز عدد سكانها 1. 3 مليار نسمة، حيث تتأسّس رؤية الحكومة فيها على استخدام التكنولوجيا من أجل تحويل حياة المواطنين وجعلهم جزءاً من قصة النمو. وقد خطت من أجل ذلك خطوة عملاقة من خلال الجمع بين قوة ثلاث أفكار مبتكرة تُعرف بثالوث “جام” JAM ( الحسابات المصرفيّة منخفضة التكلفة، الهويّة الرقميّة “آدهار”، الهاتف المحمول). وقد تضمن هذا الثالوث فتح حسابات دون رصيد لفائدة الفقراء من أجل إدماجهم المالي، وتوفير معرف بيومتري فريد مؤلف من 12 رقماً لكلّ واحد منهم، ورقم هاتف محمول. يربط “جام” بين هذه المكوّنات لتحديد الحساب البنكي للمستفيد وتحويل إعانات الدعم الحكومية إليه مباشرة مثل المدفوعات بموجب قانون المهاتما غاندي الوطني لضمان توفير فرص العمل في الريف، ودعم غاز البترول المسال، والمنح الدراسية، وجرايات التقاعد، وغيرها.
ما الغاية من “جام”: في عام 2014، تبيّن أن جزءاً كبيراً من السكان لا تتوفّر لديهم إمكانيّة الوصول إلى الخدمات المصرفيّة بسبب عجزهم عن فتح حسابات بنكيّة. وهو ما يعني أنهم كانوا مهمشين إذ لا فرصة لديهم للادخار، أو للحصول على قروض مؤسسيّة. لذا أطلق رئيس الوزراء مودي حملة برادهان مانتري جان دهان يوجانا (برنامج برادهان مانتري جان دهان يوجانا الرائد للشمول المالي) في 28 أوت/ أغسطس 2014 وحتى 31 أوت/ أغسطس 2020 ، وقد تم بموجبها فتح أكثر من 403.5 مليون حساب بنكي. ولئن كانت أغلب هذه الحسابات دون رصيد، فإنّ الغاية منها هي أن تكون بمثابة المنطلق. واليوم، ينتمي 63,6% من أصحاب هذه الحسابات إلى المناطق الريفية، ويمكن هنا أيضا الحديث عن الإمكانات التحويليّة لهذه الحسابات عندما نرى أنّ 55,2% من أصحابها هنّ من النساء. وقد تم إصدار بطاقات خصم مع كل حساب مع تغطية مجانية للتأمين ضد الحوادث بقيمة 200000 روبية (2800 دولار) بالإضافة إلى تسهيلات السحب على المكشوف بقيمة 10000 روبية (140 دولار) لكل أسرة معيشية. كما تم تنفيذ برامج لمحو الأمية المالية بهدف تغيير طريقة تفكير الناس وتمكينهم من استخدام الحسابات المصرفية. وهكذا جمعت هذه الرؤية ما يزيد على مليار حساب مصرفي، مع 1.26 مليار بطاقة هويّة رقميّة و 1.37 مليار اشتراك في الهاتف المحمول. ولقد أدى ذلك فعلياً إلى وصول غير المتعاملين مع البنوك إلى المعاملات المصرفيّة، وغير المؤمّنين إلى التأمين وغير المموّلين إلى التمويل.
مكافحة الفساد وتوسيع دائرة الخدمات: منذ عام 2014 ، أنفقت الحكومة 8.22 تريليون روبية (115 مليار دولار) مباشرة على الحسابات المصرفية للمستفيدين. ولم يجعل التحويل المباشر للمنافع عملية التسليم سريعة ودقيقة فحسب، بل نجح أيضا في منع الفساد وخفض التكاليف الإدارية عن طريق تحويل الأموال مباشرة إلى حسابات الناس. وإلى غاية جوان/ يونيو 2020 ، بلغت هذه المدخرات 1700 مليار روبية (24 مليار دولار). وبمجرد إنشاء المرافق المصرفية الأساسية للناس، تمّ استكمال ذلك بتوفير التأمين والمعاشات التقاعديّة. والآن، يوفر برنامج تأمين الضمان الاجتماعي لرئيس الوزراء تأمينًا ضد الحوادث بقيمة 200000 روبية (2800 دولار) بتكلفة 12 روبية فقط (0.16 دولار في السنة). ويوفر برنامج رئيس الوزراء تأمينا على الحياة بمبلغ 330 روبية فقط (4.6 دولار) سنويا. ويقدم نظام “أتال” للمعاشات التقاعدية معاشا تقاعديا يصل إلى 5000 روبية (70 دولارا) شهريا اعتمادا على المساهمة، وكل ذلك يتم باستخدام قوة الثالوث “جام”.
أكبر مخطط للتأمين الصحي في العالم: تم تطبيق نفس النموذج لتقديم الخدمات الصحية للناس. وقد كشفت دراسة أنّ الإنفاق الصحّي من الأموال الخاصّة في عام 2017 ، قد دفع بحوالي 55 مليون هندي إلى الفقر. ولذا تم الإعلان عن خطة رعاية صحية شاملة في فيفري/ فبراير 2018 تم ربطها في جويلية/ يوليو 2018 بالهويّة الرقميّة “آدهار”، وتم تسميتها باسم (خطّة رئيس الوزراء لصحة السكان). وتعد هذه الخطّة أكبر نظام تأمين صحي ترعاه الحكومة لفائدة الفقراء وهي تهدف إلى تقديم المساعدات الصحية لأكثر من 500 مليون هندي فقير وضعيف (حوالي 100 مليون أسرة) من خلال تقديم مدفوعات غير نقديّة والاحتفاظ بسجلات غير ورقيّة عبر مجموعة من المستشفيات المنخرطة في هذه الخطّة. كما تقدّم هذه الخطّة غطاء صحيّا بقيمة 500000 روبية (6950 دولارًا) لكل أسرة على أساس سنوي بعلاوة قدرها 30 روبية (0.40 دولار) في السنة. و يغطي هذا النظام جميع الحالات الطبية السابقة ويوفر العلاج في المستشفيات لمدة 3 أيام و 15 يومًا لمرحلة ما بعد الاستشفاء ، بما في ذلك الرعاية التشخيصية وتكاليف الأدوية. كما يوفر الوصول إلى اختبار كوفيد – 19 المجاني. وبحلول ماي/ مايو 2020 ، وفّر هذا البرنامج أكثر من 10 ملايين علاج في أكثر من 22000 مستشفى عبر مختلف أنحاء البلاد، مما يوفر شبكة ضمان حيوية بالنسبة إلى الناس.
“جام” خلال أزمة كوفيد-19 : استخدمت الهند نظامها المباشر لتحويل المنافع وذلك لمساعدة الناس على التغلب على الأزمات الصحية والاقتصادية المستمرة. وأعلنت حكومة الهند في مارس 2020 عن حزمة تحويل منافع مباشرة بقيمة 1.70 تريليون روبية (24 مليار دولار) لـ 800 مليون شخص، أي ما يعادل ثلثي سكان الهند، في إطار خطة رئيس الوزراء للرعاية الاجتماعية للفقراء. كما تم الإعلان عن حزمة انعاش اقتصادي بقيمة 20 تريليون روبية (278 مليار دولار) لمساعدة الاقتصاد على تجاوز أزمة كوفيد-19. وتتضمن حزمة تحويل المنافع المباشرة الدعم النقدي والعيني. وفي إطار الدعم النقدي، يحصل ما يقرب من 425 مليون مستفيد على مبالغ مختلفة مباشرة في حساباتهم المصرفية. كما يتم أيضًا توفير حبوب غذائية مجانية لـ 800 مليون شخص حتى نهاية ديسمبر 2020. ويتم تحويل جميع هذه المنافع إلى الأشخاص الذين يستخدمون ثالوث “جام”.
وفي معرض حديثه عن إمكانات الخطّة، أفاد رئيس وزراء الهند السيد ناريندرا مودي أنّ “رؤية “جام”، ستكون بمثابة حجر الأساس للعديد من المبادرات القادمة. وبالنسبة لي، فإن “جام” تهدف إلى بلوغ الحدود القصوى في كلّ شيء. في كلّ روبية يتم إنفاقها. وفي كلّ قدر من التمكين لفقرائنا. وكلّ حدّ لانتشار التكنولوجيا بين الناس. إنّ هذا الأمر يجسد حقًا القوة التحويلية التي يمكن أن تبلغها عمليّة الجمع بين التكنولوجيا والأفكار المبتكرة.